المادة    
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله استدلال أولئك النصارى بما حدث من خوارق الحواريين كما يزعمون لهم أو لغيرهم ممن يسمونهم: الرسل، فيقول رحمه الله في (1/317) من كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح في موضوع: أسباب الضلال، وهي أسباب عظيمة، وهي أسباب ضلال جميع الطوائف، وهي ثلاثة أسباب، ومنها هذه الأمور التي ينقلونها، ويظنون أنها حق وهي باطل، ويشتبه فيها الحق بالباطل، فذكر معجزات الأنبياء، ثم الكرامات، فقال: (وأما الصالحون -يعني: غير الأنبياء- فقد يغلط أحدهم ويخطئ مع ظهور الخوارق على يديه، وذلك لا يخرجه عن كونه رجلاً صالحاً، ولا يوجب أن يكون معصوماً إذا لم يدع هو العصمة، ولم يأت بالآيات الدالة على ذلك، ولو ادعى العصمة وليس بنبي لكان كاذباً لا بد أن يظهر كذبه، وتقترن به الشياطين فتضله، ويدخل في قوله تعالى: (( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ))[الشعراء:221]).
  1. تمثل الشيطان بصورة المسيح عليه السلام

    النصارى عندهم منقول في الأناجيل: أن الذي صلب ودفن في القبر رآه بعض الحواريين بعد دفنه قد قام من قبره مرتين أو ثلاثاً، وأراهم موضع المسامير، وقال لهم: لا تظنوا أني شيطان).
    ونحن نؤمن يقيناً -كما ذكر الله تعالى- أن المسيح لم يقتل ولم يصلب، قال الله: (( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ))[النساء:157]، فيقول النصارى : أنتم كيف تقولون هذا والحواريون -وهم تلاميذه، وأعرف الناس به- قد رأوا هذا الذي صلب -وهم يقولون: إنه المسيح- وقد وضع في القبر، ثم قام من قبره، فخاطبوه وقالوا له: أنت المسيح؟ فقال: نعم، وأراهم موضع المسامير التي ضربت فيه، وقال: لا تظنوا أني شيطان. قال شيخ الإسلام: (وهذا إذا كان صحيحاً فذاك شيطان ادعى أنه المسيح، والتبس على أولئك.
    ومثل هذا قد جرى لخلق كثير في زماننا وقبل زماننا، كناس كانوا بـتدمر -وهي المدينة المعروفة بآثارها في بلاد الشام - فرأوا شخصاً عظيماً في الهواء، وظهر لهم مرات بأنواع من اللباس، وقال لهم: أنا المسيح بن مريم، وأمرهم بأمور يمتنع أن يأمرهم بها المسيح، وحضروا إلى عند الناس وبينوا لهم أن ذلك شيطان أراد أن يضلهم). والظاهر من الكلام: أنهم حضروا إلى شيخ الإسلام رحمه الله، لكن لا يحب أن يذكر نفسه. فقال: وحضروا إلى الناس وبينوا لهم أن هذا لا يمكن أن يكون المسيح، ولكنه شيطان أراد أن يضلهم.
  2. تمثل الشيطان بخروج الميت من القبر

    قال: (وآخرون يأتي أحدهم إلى قبر من يعظمه، ويحسن به الظن من الصالحين وغيرهم؛ فتارة يرى القبر انشق ويخرج منه إنسان على صورة ذلك الرجل، وتارة يرى ذلك الإنسان قد دخل في القبر، وتارة يراه إما راكباً وإما ماشياً داخلاً إلى مكان ذلك الميت كالقبة المبنية على القبر).
    وهذا كثير ما يتحدث به المنحرفون، فيقول أحدهم: أنا بنفسي ذهبت إلى ضريح الشيخ ورأيته -إن كان يعرفه- تماماً، وإن كان قد قرأ أوصافه فإنه يحلف الأيمان أنها مثل الأوصاف التي قرأها عنه، وأنه دخل تحت القبة، أو خرج وسلم عليَّ وغير ذلك، وقال لي كذا، وقلت له كذا.
    قال: (ويظن أن ذلك هو الرجل الصالح، وقد يظن أن قوماً استغاثوا به فذهب إليهم، ويكون ذلك شيطاناً تصور بصورته)، أي قد يستغيث به بعض مريديه فيخرج فيغيثهم، ثم يعود إلى القبر. قال: (وهذا جرى لغير واحد ممن أعرفهم). فهنا يتكلم الشيخ عمن حدثوه بها، وقال: (وتارة يستغيث أقوام بشخص يحسنون به الظن: إما ميت أو غائب، فيرونه بعيونهم قد جاء، وقد يكلمهم، وقد يقضي بعض حوائجهم، فيظنونه ذلك الشخص الميت، وإنما هو شيطان زعم أنه هو وليس هو إياه، وكثيراً ما يأتي الشخص بعد الموت في صورة الميت
    -فقد يأتي شخص في صورة ذلك الميت- فيحدثهم، ويقضي ديونهم، ويرد ودائعهم، ويخبرهم عن الموتى) أي: عن أحوال الموتى، وهو كاذب في ذلك، قال: (ويظنون أنه هو الميت نفسه قد جاء إليهم، وإنما هو شيطان تصور بصورته، وهذا كثير جداً؛ لا سيما في بلاد الشرك كبلاد الهند ونحوها).
    وأكثر بلاد العالم تعلقاً بهذا النوع من السحر، وتتلاعب الشياطين بعقولهم: هي بلاد الهند ؛ ففيها هذه الأنواع بصورة كبيرة جداً، وإلى الآن وهم كذلك، وهم لا شك عند أهل الكتاب جميعاً من المسلمين واليهود و النصارى ليسوا على حق، وأن رجال دينهم ليسوا بأولياء الله تعالى، وأن هذه الخوارق ليست كرامات، إذاً فعليكم -أي: معشر اليهود ، ومعشر النصارى ، وكذلك معشر الصوفية - أن تتفطنوا، فقد يكون حال بعض من تدعون هو من جنس ما يقع لأولئك الهنادك.
  3. تمثل الشيطان كميت يعود إلى الدنيا

    يقول: (ومن هؤلاء من تراه أنت تحت سريره آخذاً بيد ابنه في الجنازة) أي: كأنه يحضر جنازة إذا مات. قال: (ومنهم من يقول: إذا مت فلا تدعوا أحداً يغسلني) نعوذ بالله، فالشيطان يضلهم فيحرمون أنفسهم من هذا الذي هو حق لكل مسلم، فالمسلم يقدم على ربه تعالى وقد غسل، فأما هو فإنه يحرم من هذا الحق، ويقول لمريديه: (إذا مت فلا تغسلوني؛ فأنا آتي من هذه الناحية وأغسل نفسي، فيأتي بعد موته شخص في الهواء على صورته فيغسله)، ويظن ذلك -أي: الذي أوصاه- أنه قد رجع، فيقولون: الحمد لله؛ إن الشيخ أمرنا بكذا، ولم نفعل به أي شيء حتى جاء هو وغسل نفسه. يقول: (وإنما هو شيطان تصور بصورته؛ ليضلهم).
  4. تمثل الشيطان بالخضر

    (وتارة يرى أحدهم شخصاً إما طائراً في الهواء، وإما عظيم الخلقة، وإما أن يخبره بأشياء غائبة ونحو ذلك ويقول له: أنا الخضر ، وهذا ليس بعجيب؛ فقد ذكر الشيخ رحمه الله تعالى أن منهم من يدعي أنه الله، فليس غريباً أن يقول أنا الخضر)، فيدعي أحدهم أنه الله، وقد يأتي على عرش، وإبليس -كما ثبت في الحديث الصحيح- له عرش على البحر، فهو يأتي ويرى هذا الشخص عظيم، ويتخيل أنه نور وهو على العرش، ويقول: أنا ربك، أنا رب العزة والجلال، ويأمره وينهاه، فيذهب ويقول: إنه قد رأى الله فخاطبه وكلمه، وهذا كثير جداً في كتب كرامات الصوفية وأحوالها.
  5. تلبيس الشيطان على أهل الزهد والعبادة

    قال: (وقد يكون الرائي -الذي رأى الخضر- من أهل الدين والزهد والعبادة) أي: أنه ليس بكاذب أو فاجر، وإنما هو إنسان متصف بهذه الصفات، ولكن الشيطان احتال عليه بهذه الحيلة.
    قال: (وقد جرى هذا لغير واحد، وتارة يرى عند قبر نبي أو غيره أن الميت قد خرج: إما من حجرته، وإما من قبره، وعانق ذلك الزائر وسلم عليه، ويكون شيطاناً قد تصور بصورته، وتارة يجيء من يجيء إلى قبر ذلك الشخص فيستأذنه في أشياء، أي: يسأله عن أمور، فيخاطبه شخص يراه، أو يسمع صوتاً، ويكون ذلك شيطاناً أضله)، وهذا مثل تحضير الأرواح، يقول أحدهم: لا يمكن أن هذا غير الولي فلان أو الشيخ فلان؛ لأنني سألته عن أمور ما كان معي أحد عندما خاطبته، ثم إني سألته عنه عند القبر فأجابني بصوته عن الشيء الذي لم يكن معنا أحد عندما تحدثنا به، فهذا دليل على أنه هو.
    فنقول: هذا غير صحيح؛ لأن الشيطان يتلبس بصورته، ويقلد صوته، وأما قوله: لم يكن عندنا أحد؛ فإنه كما قال تعالى: (( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ))[الأعراف:27]، فقد يكون هو والشيخ جالسين منفردين ومعهما مائة شيطان، أو ألف شيطان؛ وهما لا يعلمان، فيسمعون ما يقولان، ثم يذكرونه به فيما بعد.
  6. أبو الحسن الشاذلي ودجله على الناس

    قال: (وقد يرى أشخاصاً في اليقظة) وهذه أيضاً مشكلة أخرى، وهي -كما نرى الآن- من أكبر ما يفتتن به هؤلاء الصوفية ، وقد كان أبو الحسن الشاذلي -شيخ الطريقة الشاذلية المشهورة في مصر وغيرها- يدعي أن كل الشيوخ أخذوا الخرقة، وأخذوا علم الطريقة والحقيقة عن شيوخهم بالسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالمنامات إلا هو؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه بزعمه في اليقظة ويحدثه، فمن هؤلاء المنحرفين الذين يعملون الموالد وأمثالها من يعتقد إلى الآن هذا الشيء، وأنه يمكن للإنسان منهم أن يرى النبي في اليقظة.
  7. التلبيس برؤيا الصالحين في اليقظة

    يقول: (وقد يرى أشخاصاً في اليقظة إما ركباناً، وإما غير ركبان، ويقولون: هذا فلان النبي: إما إبراهيم ، وإما المسيح ، وإما محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا فلان الصديق: إما أبو بكر ، وإما بعض الحواريين، وهذا فلان -لبعض من يعتقد فيه الصلاح- إما جرجس ، وإما غيره ممن تعظمه النصارى ، وإما بعض شيوخ المسلمين، ويكون ذلك شيطاناً ادعى أنه ذلك النبي أو ذلك الشيخ، أو ذلك الصديق، أو ذلك القديس كما يزعم النصارى ، ومثل هذا يجري كثيراً لكثير من المشركين، والنصارى ، وكثير من المسلمين، ويرى أحدهم شيخاً يحسن الظن به ويقول أنا الشيخ فلان، وأعرف من هذا شيئاً كثيراً).
    يقول: (وأعرف غير واحد ممن يستغيث ببعض الشيوخ الغائبين الموتى، فيراه قد أتاه في اليقظة وأغاثه) فانظر كيف لبس عليه الشيطان، فيتصور أن الشيخ يأتيه؛ لأنه استغاث به، وبذلك يخرجون عن التوحيد إلى الشرك، ويقعون في أكبر الذنوب وأعظمها وأخطرها، (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ))[المائدة:72]، وهذا بسبب الاستغاثة بغير الله، ودعاء غير الله.
  8. استغاثة بعض الناس بابن تيمية ومجيء الشيطان على صورته

    يقول: (وقد جرى مثل هذا لي ولغيري ممن أعرف، فقد ذكر غير واحدٍ أنه استغاث بي من بلاد بعيدة، ومنهم من قال رأيتك راكباً بثيابك وصورتك، ومنهم من قال: رأيتك على جبل، ومنهم من قال غير ذلك، فأخبرته أني لم أغثهم) أي: لم يقل: الحمد لله أنا لي كرامات كثيرة وهذه من جملتها، ويتعلقون به رضي الله عنه هو وأمثاله من أئمة الإسلام، فهو أحرص على سد الذرائع، وقطع كل طريق إلى الشرك، ولا يمكن أن يدعوا ما ليس لهم، ولا يمكن أن يرضوا بأي شيء يخدش التوحيد أدنى خدش؛ فكيف إذا كان يؤدي إلى مثل هذا الكفر والعياذ بالله.
    قال: (فأخبرتهم أني لم أغثهم، وإنما ذلك شيطان تصور بصورتي؛ ليضلهم لما أشركوا بالله، ودعوا غير الله).
    وفي موضوع آخر قالوا: يا شيخ! قد يكون هذا ملكاً، فنحن عندما سألناه قال: أنا ابن تيمية فصدقناه، فقال الشيخ: لا، فإن الملائكة لا يكذبون، وهذا كذب عليكم، فعلامة أنه شيطان أنه كذب عليكم.
    قال: (وكذلك غير واحد ممن أعرفه من أصحابنا استغاث به بعض من يحسن به الظن، فرآه قد جاء وقضى حاجته، فقال صاحبي: أنا لا أعلم بذلك) فعلم أنه قد وقع لزميله مثل ما وقع له، وأن الشياطين تلبست به كما تلبست وتصورت بصورة الشيخ.
  9. تلبيس الشيطان بصوت المستغاث به

    (ومن هؤلاء الشيوخ من يقول: إنه يسمع صوت ذلك الشيخ المستغيث به، ويجيب، وتكون الشياطين أسمعته صوتاً يشبه صوت المستغيث به، فأجابه الشيخ بصوته. وهذا جرى لمن أعرفه، فأخبر بذلك عن نفسه، وقال: وبقي الجني الذي يحدثني يبلغني مثل صوت المستغيثين بي، ويبلغهم مثل صوتي، ويريني في شيء أبيض نظير ما أسأل عنه، فاخبر به الناس أنني رأيته، وأنه سيأتي، ولا أكون قد رأيته، وإنما رأيت شبهه. وهكذا تفعل الجن بمن يعزم عليهم، ويقسم عليهم)، وقد انتشرت الكتب في المجتمع التي تتحدث عن هذه العزائم التي يعزم بها على الجن، وقد تكون فيها بعض الآيات، وبعض الأدعية، وبعض الطلاسم الخفية والرموز، فيعزم بها على الجن، فتأتي إما مسخرة، وإما بدافع الاستمتاع بما يقدم لهم الإنسي، ويستمتعون بما يقدمون لهم من خدمة والعياذ بالله، فيخرجون الناس من دينهم.
  10. تلبيس إبليس على قسطنطين والنصارى في أن المسيح ابن الله وأنه قد صلب

    قال: (وكذلك ما رآه قسطنطين من الصليب الذي رآه من نجوم، والصليب الذي رآه مرة أخرى وهو مما مثله الشياطين) أي: أن الشياطين مثلت لـقسطنطين ، وهذا لعله عندما جمعهم في مجمع نيقيا وأراد أن يختار ديناً، فقد جمع ألفاً وثلاثمائة من أحبارهم وأراد أن يجمعهم على عقيدة، وكما تعلمون اختلاف النصارى الشديد جداً، فـقسطنطين الملك يريد أن يدخل في دينهم لكنه رآهم مختلفين، فعندما اجتمعوا أراه الشيطان صليباً في السماء، فاعتقد أن هذا علامة من الله على الحق، وأن المسيح صلب، وعندما اجتمعوا كان أشد أعدائه الأريوسيون الذين قالوا: إن المسيح لم يصلب، وإنما هو عبد الله ورسوله، فهؤلاء أعرض عنهم وتركهم، مع أنهم كانوا أكثرية في المجمع، وأخذ بكلام الذين قالوا: إن المسيح هو ابن الله، وأنه صلب، فأخذ بهذا نتيجة هذا المنظر الذي رآه من الشيطان والعياذ بالله، فافتتن به، وفتن النصارى من بعده، وأصبحت فئة من النصارى وهي الملكانية على دين الملك، أي: على دين قسطنطين ، وتفرقوا شيعاً، وأكثر طائفة هي هذه التي على دين الملك.
  11. انقسام النصارى

    ثم انقسموا بعد ذلك إلى فرقتين: الكنيسة الشرقية التي مقرها القسطنطينية ، والكنيسة الغربية التي مقرها روما ، ثم لما فتح المسلمون القسطنطينية سقطت الكنيسة الشرقية، وبقيت الكنيسة الغربية، وبقي الحبر الأعظم عند النصارى هو هذا الضال المضل الذي في روما .
    يقول الشيخ: أراهم هذا ليضلهم به، كما فعلت الشياطين ما هو أعظم من ذلك لعباد الأوثان، يعني: عند معابد الهندوس ، فهناك تقع أمور أكثر، فكذلك هؤلاء من هذا القبيل.
  12. تلبيس الشيطان على بولص وإفساده لدين النصارى

    قال: (وكذلك من ذكر أن المسيح جاء في اليقظة) وقال: إنه المسيح، وإنما هو شيطان من الشياطين، كما جرى مثل ذلك لغير واحد، وأشهر من ادعى ذلك من النصارى هو بولص فقد ادعى أن المسيح جاءه، وبهذه الطريقة عرفنا أن دين النصارى الذي يدينون به الآن في العالم مركب على أن المسيح خاطب بولص ، وأن بولص هو رسوله، فكل النصارى على دين بولص إلا من كفر به، وذلك نادر في الغربيين، فهم على دين بولص وليسوا على دين المسيح، فأصل ضلال النصارى هو من بولص ، وقد كان يهودياً، وكان على دين فلسفي يسمى المترائية ، وهو يهودي الأصل لكنه متفلسف، فلا يؤمن بنفس التوراة ، وكان يعذب النصارى تعذيباً شديداً، فقد قال بولص : كنت على طريق دمشق فما شعرت إلا وهذا النور يخاطبني من السماء ويقول: إلى متى تضطهدني وتضطهد كنيستي، قال: من أنت؟ قال: أنا المسيح ابن الله الحق، وأخذ يعلمه هذا الكفر وهذا الضلال، فمن هنا قال: تبت، وأصبح هو الذي يدعو إلى النصرانية ، والدين الذين يدين به النصارى هو دين بولص .
  13. تلبيس الشيطان على كل قوم بما يتناسب مع عقائدهم

    فإذاً: ضلالهم أصله مثل هذه الرؤيا التي رآها، وهو شيطان أراد أن يلبس على النصارى ، وعليه يقول الشيخ: (والشيطان إنما يضل الناس ويغويهم بما يظن أنهم يطيعونه فيه) أي: أن الشيطان يخاطب النصارى و اليهود وغيرهم بما يظن أنهم يطيعونه فيه، فلا يأتي ويخاطب أحداً من عباد المسلمين ويقول له: إن جرجس أو بولص كذا وكذا؛ لأنه يعلم أن المسلمين يكفرون بهؤلاء، ولا يقبلونهم، ولا يأتي إلى النصارى ويدعي أنه ممن يعظمه الهنادك أو غيرهم، وإنما يأتي إلى كل أحد بما يعلم أنه يعظمه؛ حتى يوقعه في شباكه وفي حيله، فيخاطب النصارى بما يوافق دينهم، ويخاطب من يخاطب من ضلال المسلمين بما يوافق اعتقاد الشيخ الذي يعظمونه ويحبونه ويبجلونه.
    يقول الشيخ: (وينقله إلى ما يستحب فيه بحسب اعتقادهم) فمن منطلق اعتقاده ينقلهم إلى الشرك والعياذ بالله، قال: (ولهذا يتمثل لمن يستغيث من النصارى بـجرجس في صورة جرجس ، أو بصورة من يستغيث بهم النصارى من أكابر دينهم: إما بعض البطاركة وإما بعض المطارنة، وإما بعض المطارنة وإما بعض الرهبان، ويتمثل لمن يستغيث به من ضلال المسلمين بشيخ من الشيوخ في صورة ذلك الشيخ)، فيضل هؤلاء بمن يعظمونهم ومن يقدسونهم، ويضل هؤلاء كذلك بمن يعظمونه ويقدسونه.
  14. تمثل الشيطان في صور الموتى الصالحين

    يقول: (كما تمثل لجماعة ممن أعرفهم في صورتي، وفي صورة جماعة من الشيوخ الذين ذكروا ذلك، ويتمثل كثيراً في صورة بعض الموتى، فتارة يقول أنا الشيخ عبد القادر -أي: الجيلاني - تارة يقول: أنا الشيخ أبو الحجاج الأقصري ، وتارة يقول: أنا الشيخ عدي -وهو عدي بن مسافر) وقد كتب شيخ الإسلام لأتباعه رسالة صغيرة اسمها الوصية ، وكان الشيخ عدي من بقايا بني أمية، وكان رجلاً عابداً زاهداً، وكان أتباعه كثيرين ومنتشرين في تلك الأيام، فإذا قرأتم هذه الوصية تجدون كيف الأسلوب البليغ، والداعي الحكيم، فـشيخ الإسلام لم يهاجم الشيخ عدي ، ولم يقل: هذا ضال ومبتدع، وأنتم فساق، وإنما بدأ يذكر محاسن الشيخ وفضائله، وأنه يحب الكتاب والسنة، ثم بين بعد ذلك لماذا يخطئ الشيوخ وأمثالهم ومنهم الشيخ عدي ، ثم دعاهم إلى التوحيد الصحيح فيقول: من اعتقد في إنسان كذا وكذا فقد أشرك، فيفهمون أنهم ليسوا على طريق الشيخ عدي ، وأنه إذا كان الشيخ عدي يرضى بهذا فهو أيضاً على ضلال، فهذا أسلوب فيه حكمة، وهي رسالة جيدة نافعة.
    قال: (وتارة يقول أنا أحمد الرفاعي) -وهو صاحب البطائحية- (وتارة يقول أنا أبو مدين المغربي)، و هذا الذي كان في بلاد المغرب ، وهو رجل معظم في بلاد مصر و المغرب وغيرها، فيعظمه الشاذلية وأمثالهم.
  15. التفريق بين رؤية الأنبياء عليهم السلام في المنام واليقظة

    قال: (وإذا كان يقول: أنا المسيح، أو إبراهيم أو محمد؛ فغيرهم بطريق الأولى، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي )، وفي رواية: ( وفي صور الأنبياء )، فرؤيا الأنبياء في المنام حق، وأما رؤيا الميت في اليقظة فهذا جني تمثل في صورته).
    إذاً: لا يمكن أن يأتي أحد من الأنبياء أحداً من الناس في اليقظة، وأما إذا رآه في المنام فإنه قد يكون هو النبي، وقد يكون غيره، فيكون شيطاناً فإذا جاءنا في المنام فمعيار ذلك الصفة، والبعض لا يدري ما هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: جاءني الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرني بكذا، فنقول له: كيف جاءك؟ صفه لنا، فإذا جاء بأوصاف ليست من وصف النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم، علمنا أن الشيطان لبس عليه في المنام.
    يقول: (وبعض الناس يقول هذا روحانية الشيخ).
    أي: أن هذا الذي جاء قد لا يكون الشيخ، ولكنه روحانية الشيخ، قال: وبعضهم يقول: هو رفيقه، أي: رفيق الشيخ تشبه به، ولا يدرون أن هذا شيطان.
  16. رؤية بعض الناس من مكانين أو أكثر في وقت واحد

    قال: (وكثير من هؤلاء من يقوم من مكانه، ويدع في مكانه صورة مثل صورته، وكثير من هؤلاء من يرى في مكانين، ويرى واقفاً بـعرفات وهو في بلده لم يذهب، فيبقى الناس حائرين) أي: الذين لا يعرفون.
    وهناك شيخ في مصر اسمه: الشيخ العريان ، فيقولون: إن هذا الشيخ العريان -كما ذكر عنه ذلك الشعراني - خطب الجمعة في اثني عشر مسجداً، وفي وقت واحد، وهو عريان ليس عليه شيء، فقال الناس: هذه من كرامات الشيخ العريان .
    يقول الشيخ: (والعقل الصريح يعلم أن الجسم الواحد لا يكون في الوقت الواحد في مكانين) ويقولون أيضاً: إن الشيخ شاه نقشبند - شيخ النقشبندية - اختلف تلاميذه عليه كل يريد أن يفطر عنده تلك الليلة؛ فقد كانوا صائمين، فقال: أنا أرضيكم وأفطر عندكم جميعاً، وهذا مما يؤكد ويؤيد أن هذا الرجل يتعاون مع الشياطين، فقد تلبست مجموعة من الشياطين وتصورت بصورته وذهبوا، وهو ذهب عند واحد منهم، قال: والصادقون قد رأوا ذلك عياناً لا يشكون فيه.
    وهناك من يكذب ويقول: لا يمكن أن يفعل الشيخ العريان ولا شاه نقشبند ذلك، فالشيخ هنا يذكر أن بعض الناس الصادقين قد رأوه، فيرون هذا الرجل معهم في الموقف في عرفة والذين في بلده يقولون: نحن رأيناه في بغداد أو في القاهرة لم يغادرها، ولم يخرج منها، إذاً فكيف هذا؟!
    يقول الشيخ: إن العلة: هي أن الشيطان هو الذي تلبس بصورته، وتشكل في الموقف أو في غيره، فيقول الشيخ رحمه الله: والصادقون قد رأوا ذلك عياناً لا يشكون فيه، ولهذا يقع النزاع كثيراً بين هؤلاء وهؤلاء كما قد جرى ذلك غير مرة، وهذا صادق فيما رأى وشاهد، وهذا صادق فيما دل عليه الصريح. أي: فيما دل عليه العقل.
    يقول: فهذا يقول: لا يمكن، لكن أيضاً هناك من يقول: رأيت نفس صورة الشيخ الذي أعرفه، لكن ذلك المرئي كان جنياً تمثل في صورة إنسان.
  17. قاعدة جليلة

    ثم يبين ويقول: (والحسيات إن لم يكن معها عقليات تكشف حقائقها وإلا وقع فيها غلط كثير) وهذه قاعدة عظيمة جداً، ونحن نراها الآن قاعدة سهلة، وهي قاعدة علمية كبيرة جداً، وهي: أن الأمور الحسية لا يبنى عليها إلا باقتران العقل، ولا يبنى عليها بمجرد الحس وحده؛ بل لا بد من العقل.
  18. تمثل الملائكة بصورة بعض البشر

    ثم يذكر الشيخ أنه يمكن أن يتشكل المخلوق على غير صورته، ويمثل على ذلك بالملائكة، ثم ذكر مجيئه إلى الأنبياء، ثم يذكر مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم تارة في صورة دحية الكلبي ، وتارة في صورة أعرابي، ويراه كثير من الناس عياناً، وليس في خيال الناس شيء غير الذي يراه، وكذلك عندما جاء كما في حديث جبريل المشهور، فقد رآه الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
  19. مجيء الشيطان بصورة بعض المشركين

    يقول: (وكذلك لما ظهر الشيطان للمشركين في صورة الشيخ النجدي وغيره المذكور في السيرة، وظهر لهم يوم بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فلما رأى الملائكة هرب).
    فهذه حقائق يريد الشيخ أن يبين لنا من خلالها كيف ننسى أن هذا موجود، والشيخ نفسه هو ذكر أن الشيطان تلبس به، واستدل بقول الله تعالى: (( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ))[الأنفال:48].
    فهنا جاءهم الشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، (( فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ ))[الأنفال:48]، فالشيطان يرى الملائكة وهم لا يرونها ثم قال: (( إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))[الأنفال:48].
    وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وغيره قال: [ تبدى إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال: لا غالب لكم اليوم، وإني جار لكم، وأقبل جبريل عليه السلام على إبليس فلما رآه -وكانت يده في يد رجل من المشركين- نزع إبليس يده، وولى مدبراً هو وشعبه، فقال الرجل: يا سراقة ! أتزعم أنك جار لنا؟! فقال: (( إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))[الأنفال:48] قال ابن عباس : وذلك لما رأى الملائكة] وقال الضحاك: [سار الشيطان معهم -يعني مع المشركين- برايته وجنوده، وألقى في قلوب المشركين أن أحداً لن يغلبكم، وأنتم تقاتلون على دينكم ودين آبائكم ]، فانظروا إلى التضليل، نعوذ بالله من الشيطان.
  20. حمل الجن لبعض البشر إلى بلدان أخرى

    يقول الشيخ: (وكثير من الناس تحمله الجن إلى مكان بعيد، فتنقل كثيراً من الناس إلى عرفات وغير عرفات ، وإذا رئي أحد من هؤلاء في غير بلاده: يكون تارة محمولاً، وتارة قد تصورت على صورته، ولا يكون هذا من أولياء الله المتقين الذين لهم كرامات، بل قد يكون من الكافرين أو الفاسقين، وأعرف من ذلك قصصاً كثيرة جداً ليس تفصيلها في هذا الموضع).
    ففي أيامهم كان ذلك كثيراً، وربما الآن مع الماديات والحسيات وهذه والوسائل التي هيأها الله للاتصال؛ أصبح هذا الشيء لم يعد خارقة بالشكل الكبير، لذلك قلّت تلك الظواهر، وأما قديماً فقد كان الناس يعظمون هذا الشيء جداً، ويتناقلون هذه الأخبار كثيراً، فالشيخ يقول: إن الجن تحملهم وتنقلهم من مكان إلى مكان.
    يقول الشيخ: وعند المشركين والنصارى من ذلك شيء كثير جداً يظنونه من جنس الآيات التي للأنبياء، وهذه مصيبة هؤلاء ومن تبعهم من هذه الأمة.
    قال: (وإنما هي من جنس ما للسحرة والكهان)، فهم يقولون: إن كل ما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم من معجزة فمن الممكن أن يعطاها الولي؛ كرامة، فعندها يدخلون كل هذه الأمور في باب الكرامات، ويقولون: إن هذا دليل على أن الولي متبع للنبي صلى الله عليه وسلم، فالله أعطى للولي هذه الآية كما أعطى للنبي تلك المعجزة، وكل ما ثبت للولي فهو أيضاً دليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم.
  21. الغلط والضلال في عدم التفريق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وخوارقهم

    يقول الشيخ: (ومن لم يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ويفرق بين معجزات الأنبياء وكرامات الصالحين، وبين خوارق السحرة والكهان، ومن يقترن بهم الشياطين وإلا التبس عليه الحق بالباطل).
    إذاً فالواجب هو التفريق بين أولياء الرحمن، وما يأتيهم من معجزات أو براهين وآيات إن كانوا أنبياءً، وما دون ذلك من الكرامات إن كانوا أولياء، فإن كانوا أنبياء، فهذا معروف بين كل أهل الملل، وإن كانوا من أتباع الأنبياء على الحق فإن الله يعطيهم هذه الكرامات، فلا بد من التفريق بين هؤلاء وبين الطرف الآخر وهم أولياء الشيطان، من الكهان والسحرة ومن كان على مثلهم من الدجالين، فمن لم يفرق بين هؤلاء وهؤلاء التبس عليه الحق بالباطل، فإما إن يكذب بالحق الذي جاء به الأنبياء ويقول: أنا لا أؤمن بشيء خارق للطبيعة، وهو في الأصل قد يكون كذب بالباطل، فكثير من الناس عاش في بيئة تصوف وخرافات، أو في بيئة مثل بيئة أوروبا في القرن الماضي وما قبله، فقد كانت بيئة خرافات نصرانية، فيكذب بالذي يراه ويعلم أنه كذب؛ وهو ما عليه أبناء قومه، لكن يمتد تكذيبه ويعممه إلى كل شيء خارق للعادة فيقول: لا يمكن أن تخرق العادة، ويستدل بأن الذين خرقوا هذه العادة كذابون ودجالون، وهو قد تأكد من ذلك وعرفه، فجاءه الخطأ من التعميم، فهو قد رأى جانباً من الحقيقة ولم ير الجانب الآخر، نعم إن هؤلاء كذابون؛ لكن لا ينفي ذلك وجود من هو صادق، أو العكس من ذاك مثل: بعض الصوفية ، أو الرهبان من النصارى وغيرهم، فإنهم يصدقون بالباطل؛ لأن أحدهم قد تيقن أن بعض الأمور حق، فمثلاً ما ثبت للأنبياء حق، وما ثبت لبعض الصحابة والتابعين حق لا شك فيه، فيقول: إذاً فكل ما يدعيه الأولياء أو الشيوخ هو تابع ذلك النوع من الحق، فجاء الضلال من الاشتباه، فعلى الإنسان أن يميز بين أولياء الله وبين أولياء الشيطان، ويميز بين الكرامات والمعجزات وبين الخوارق الشيطانية والأحوال البهتانية.
  22. معارضة أولياء الرحمن لأولياء الشيطان وإبطال أحوالهم

    يقول: (وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع، وإنما المقصود هنا التنبيه على هذا الأصل، وعلماء النصارى يسلمون هذا، وعندهم من ذلك أخبار كثيرة من حكايات أولياء الشيطان الذين عارضهم أولياء الرحمن، وأبطلوا أحوالهم).
    أي: كما أبطل موسى عليه السلام ما عارضه به السحرة من الخوارق ، عندنا أمران نحن متفقون المسلمون وأهل الكتاب على هذا الشيء وهو: أن ما حدث لموسى عليه السلام كان خرقاً للعادة، فقد جاء السحرة بأمور خارقة للعادة، وقد رآها الناس، فتعجبوا كيف تتحول الحبال أو العصي إلى أن تكون ثعابين، فهذا شيء خارق للعادة كان يفعله السحرة، فلما فعلوا ذلك أمام موسى عليه السلام فعل موسى عليه السلام ما أمره الله تعالى به من إلقاء العصا؛ فإذا حية تسعى وتلقف ما يأفكون.
    إذاً فنحن وهم متفقون على أن خرق العادة وقع من الطرفين، لكن هذا حق وذاك شيطان باطل ملبس.
    ويكون هذا عند جميع الأمم، في التوراة كما ذكر النصارى أيضاً حكاية تيمون الساحر مع الحواريين، وأن تيمون الساحر جاء وعرض سحره، وأن الحواريين أبطلوا سحره.
  23. اغترار الناس بخوارق الدجالين

    ثم بعد ذلك يتكلم الشيخ عن الدجال فيقول: هذا الدجال الكبير الذي يأتي في آخر الزمان؛ يأتي بمثل هذه الخوارق والعجائب التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإن دجالين أقل منه يأتون بخوارق من جنس دجلهم، وعلى قدر دجلهم، وعلى قدر من يصدقهم من الناس، فهذا الدجال لا يكتفي بدعوى النبوة، وإنما يدعي الربوبية مع أنه مكتوب بين عينيه: كفر، ومع أنه أعور وربنا تعالى ليس بأعور، لكن يلبس على الناس بهذه الخوارق فيتبعه أكثر الخلق، فلا ينظرون إلى حقيقته من كونه بشر أعور، ومكتوب بين عينيه هذا الشيء، وإنما ينظرون إلى الخوارق؛ لأن الله تعالى يريد فتنتهم به، (( وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ))[المائدة:41]، فهم يرون الخوارق التي يأتي بها فيعتقدون أنه صادق في دعوى الربوبية؛ فيتبعونه، ويظنون فيه ذلك، هذا هو الدجال الكبير، وكذلك الدجالون الذين من دونه.
  24. لزوم العصمة والولاية من ظهور الخوارق

    ثم يذكر بعد ذلك أن هذه الخوارق التي يضل بها الشياطين بني آدم مثل: تصور الشيطان بصورة شخص غائب أو ميت ونحو ذلك؛ يقول: (إنهم بنوا ذلك على مقدمتين: الأولى: أن من ظهرت على يديه هذه الأمور فهو ولي لله، وهذا باطل، فقد بينا أنها قد تظهر على يدي أشد أعداء الله.
    والمقدمة الثانية: أن من يكون كذلك فهو معصوم) أي: فلا يحق لأحد أن يناقشه، أو يقول له: لماذا قلت هذا، أو أمرت بهذا وهو حرام، أو أخبرت بهذا وهو كذب باطل؟ فهو معصوم، وبناءً على هاتين المقدمتين وقع الضلال في العالم: في النصارى ، وفي المسلمين من بعدهم، نسأل الله العفو والعافية.
  25. حكم الخوارق التي هي من قبيل الحيل

    وهناك حالة ثالثة يجب أن نتنبه لها، وهي التي يسأل عنها الإخوان، وترى أحياناً في التلفزيون أو في ألعاب السيرك أو غير ذلك، فهي ليست من الخوارق التي نستطيع أن نقول إنها رحمانية، أي: ليست مما يأتي على أيدي أولياء الرحمن، وليست من فعل الشيطان، وإنما هي من الحيل التي يمكن أن يفعلها أي إنسان بنوع من الدهاء والذكاء بالحيلة فيقول الشيخ: (فهذه من صنع حيلة أهل الكذب والفجور، وحيل أهل الكذب والفجور كثيرة جداً، فيظن من يرى ذلك أن هذه العجائب الخارقة للعادة أنها كرامات؛ ولا يكون كذلك، مثل: الحيل المذكورة عن الرهبان، وقد صنف بعض الناس مصنفاً في حيل الرهبان).
  26. حيلة جعل الماء زيتاً عند النصارى

    (ومن ذلك الحيلة المحكية عن أحدهم في جعل الماء زيتاً) فهذا نوع من الحيل التي يلبسون بها على الناس في أوروبا و أمريكا ، وهي في أمريكا أكثر، فيدجل بها على الناس كما يسمونهم: آباء الكنيسة، ويستخفون عقولهم بمثل هذه الحيل، فمن ذلك: حيلة: الماء، فهم يقولون: إنهم يجعلون الماء زيتاً، والقصة: أن الزيت يكون في جوف منارة، فإذا نقص الزيت صبوا ماءً فيرتفع، فإذا ارتفع الزيت فإنه يكون في الأعلى، ويمكن أن توقد فيه النار، وتحته الماء، فيظنون أن القديس أو الراهب أو البطريك يصب الماء من هنا ويتحول إلى زيت من هناك، وهذه الحيلة ليست خارقة، ولا دخل للشيطان فيها، فشياطين الإنس هم الذين يحتالون بها.
  27. حيلة ارتفاع النخلة عند الرهبان

    ومن ذلك: (الحيلة المحكية عنهم في ارتفاع النخلة، وهو أن بعضهم مر بدير راهب وأسفل منه نخلة، فأراه النخلة صعدت شيئاً فشيئاً حتى حاذت الدير، فأخذ من رطبها، ثم نزل فنزلت حتى عادت، فقال الرجل هذا من كرامات الراهب). يقول الشيخ: (فوجد أن النخلة في سفينة في مكان منخفض، فإذا أرسل عليها الماء امتلأ حتى تصعد السفينة) فعنده من أعوانه الخبثاء من يدبرون هذه الحيلة، فهناك سد، وإذا فتح الماء من السد ارتفع وارتفعت السفينة والنخلة فيها، فيأكل هذا الضال المضل، ثم بعد ذلك يصرف الماء فينخفض وتنخفض السفينة والنخلة، فيظن الجالس معه أن هذا من كراماته.
  28. حيلة التكحل بدموع السيدة مريم

    ومثل ذلك أيضاً: (الحيل المحكية عنهم في التكحل بدموع السيدة مريم)، يقول الشيخ: (وهو أنهم يضعون كحلاً في ماء متحرك حركة لطيفة، فيسيل حتى ينزل من تلك الصورة فيخرج من عينها، فيظنون أنها دموع كحلها).
  29. التحايل على الناس بخفة اليد، وبعض الحيل الكيميائية

    يقول الشيخ: (وبعضهم إذا فرق الدراهم، على الحاضرين أخذت منهم، فلا يمكنون من التصرف فيها).. إلى أمور كثير يطول وصفها، وآخرون ليس عندهم من يعينهم على ذلك من الشياطين. وهذا هو النوع الثالث، فبعضهم والعياذ بالله مستعد أن يذبح للشيطان، وأن يستغيث بالشيطان، وليس عنده مشكلة في ذلك، فالمهم أن يكون ساحراً فقط، لكن لم يجد شيطاناً يعينه ويخدمه، فيضطر إلى أن يبحث عن الحيل؛ فيتحايل مثل هذه الحيل التي هي حيل كيمائية، أو فيها خفة يد وليست من السحر، ولا من الخوارق، فيظهر أمام الناس وكأن الشياطين تخدمه، وبعضهم يفتخر بهذا، فيحب أن الناس يقولون: إن فلاناً يحضر الجن، وأن عنده جناً يخدمونه، وليس عنده شيء، وإنما يتحايل ببعض الحيل التي قد تنطلي على بعض الناس، وقد تكون أحياناً من الأحاجي والألغاز، فيأتيه مثلاً بأحجية، ويكون الجواب معروفاً، ويستطيع أن يستنبطه الشخص، فيقول له: ما رأيك في كذا وكذا؟ فيقول له: أنا عرفت المبلغ هو كذا أو كذا، ويكون الجواب مستنبطاً من السؤال، وهذه طريقة معروفة في الرياضيات، فيقول الناس: هذا عنده علم، فالمهم أن يلبس على الناس بأي شكل من الأشكال والعياذ بالله.
    وأما خفة اليد التي سأل عنها الكثير، والتي تعرض مع الأسف في التلفزيون أو في غيره؛ فهي أمور قد لا تشترط أن تكون حيلة حقيقية، أو حيلة شيطانية، وإنما هي حيل خفية، كما يعرضون أحياناً صورة رجل أو امرأة في صندوق، وبعد هذا يقصون الصندوق كاملاً، فتظن أنهم قد نشروا الموجود في داخله، ثم يفتح رجل منهم الصندوق ويخرجون الرجل كما هو، والحقيقة أن هناك رجلين، لكن واحد منهم متقرفص، والأرجل هي أرجل شخص ثاني مد أرجله، فأنت ترى الرأس من هنا، وترى الأرجل من هنا، وكل منهما في صندوق، فلما ينشر يفصل بين الرجلين، ثم يخرج رجل كاملاً سليماً.
    فكثير من الناس يأتون بهذه الخوارق، ومع الزمن يتقنها الواحد منهم، فتجده يضع في يده شيئاً معيناً، ثم ينفخ فيه فيخرجه من يده الأخرى، فهذا يكون بحيل خفية قد لا تكون للشياطين فيها يد، وإنما هي حيلة منه، وقد تكون بالتعاون بينه وبين الشياطين، فلو أن أحداً جلس وقرأ آية الكرسي؛ فإنه يرى الرجل لا يفعل أي شيء، والناس يتعجبون مما يفعل، وهو لا يراه يفعل أي شيء؛ لأن التلبيس يذهب عن عينه، وتذهب الغشاوة عندما يقرأ هذه الآيات.
    والمقصود من هذا أن نعلم وأن نعرف أن أولياء الرحمن وأولياء الشيطان بينهم فرق عظيم، فلا يصح أن يلتبس الأمر فنخلط بين هؤلاء وهؤلاء، ونظن أن هذا ولي بمجرد أن يظهر على يده شيء من هذه الخوارق التي نراها نحن غريبة أو غير مألوفة، فلدينا معيار في ذلك وهو معيار الاتباع، فولي الله هو رجل يحب الله، ويحبه الله والله تعالى يقول: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ))[آل عمران:31].
    إذاً لا بد أن ننظر إلى الاتباع، فإن كان هذا الرجل متبعاً لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مقتفياً للسنة وللآثار، ولما كان عليه السلف الصالح عقيدة وعلماً وعملاً ودعوة؛ فهو من أولياء الله؛ سواء ظهرت على يديه هذه الخوارق أم لم تظهر، وإن غير ذلك فهو من أولياء الشيطان.
  30. اتحاد الحكم على الخوارق الشيطانية والرحمانية سواء كانت في هذه الأمة أو في الأمم الأخرى

    ومثل الحيل التي صنعوها وضعوها بالصورة التي يسمونها: الإيقونه بـصيدا ، فالشيخ يقول -وهذا من عدله رحمه الله- وهذا عند النصارى ، ونحن والصوفية وغيرهم متفقون على أنه لا يمكن أن يكون في النصارى ولي لله، ولا في اليهود ، ولا في الهندوس .
    ومعنى ذلك: أنهم مشتركون، فلو وقع أحد من هذه الأمة في الشرك والدجل والضلال فليس معنى كونه ينتسب إلى هذه الأمة؛ أن يكون ذلك كافياً في أن نصدق كل ما يقول، بل نعتقد أن الشيطان الذي لبس واحتال على أولئك هو أيضاً يعمل العمل مع هؤلاء، فإذا حكمنا على أهل الكتاب بالكفر والضلال، وقلنا: إنه لا يمكن أن يكون هذا العمل من الأولياء؛ فكذلك يجب أن نعتقد ذلك في حق من يفعله وإن كان من هذه الأمة؛ لأن الشيطان واحد، وهو يلبس على كل الأمم.
    قال أيضاً: وكذلك أهل الإلحاد والمبدلين لدين محمد صلى الله عليه وسلم يتخذون ديناً لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويجعلونه طريقاً، وقد يختارونه على الطريق الذي شرعه الله، مثل أن يختاروا سماع الدفوف والشبابات على سماع كتاب الله.
    وهؤلاء هم الصوفية كما هو معلوم، والشيخ لا يذكر الاسم أحياناً، قال: فقد يحصل لأحدهم من الوجد والغرام الشيطاني ما يتلبسه معه الشيطان؛ حتى يتكلم على لسان أحدهم بكلام لا يعرفه ذلك الشخص).
    وهذا كما هو مشاهد الآن أن الشيطان يتكلم بعلم لا يعرفه المتلبس به من الإنس، فقد يكون عامياً أمياً لكن الشيطان الذي يدخل فيه يتكلم بعلوم لا يعرفها هذا العامي، بل ربما تكلم بلغة لا يتكلمها هذا العامي؛ فقد يتكلم بالإنجليزية، أو يكتب حروفاً بالإنجليزية، أو بالألمانية، أو بأي شيء بحسب لغة ودين الجني، والناس يرون هذا ويتعجبون، فهذا حق وموجود.
    قال: (كما يتكلم الجني على لسان المصروع ويخبرهم بما في نفسه) وقد يكون ذلك من الشيطان، فإذا فارق الشيطان ذلك الشخص لم يدرِ ما قال، فإذا قيل له: أنت قلت كذا وكذا؛ يقول: لا أدري، وهو فعلاً لا يدري؛ لأنه لم يتكلم، ولم يعمل أي شيء، والجني الذي تلبس به هو الذي عمل ذلك كله.
    قال: (ومنهم من يحمله الشيطان أمام الناس في الهواء، ومنهم من يشير إلى بعض الحاضرين فيموت، أو يمرض، أو يصير مثل الخشبة، ومنهم من يشير إلى بعض الحاضرين فيتلبسه الشيطان، ويزول عقله حتى يبقى دائراً زماناً طويلاً بغير اختياره، ومنهم من يدخل النار ويأكلها، ويبقى لهيبها في بدنه وشعره.
    ومنهم من تأتيه بدراهم تسرقها الشياطين من بعض المواضع، ثم من هؤلاء من إذا فرق الدراهم على الحاضرين أخذت منهم) وهذا مما يدل على حيلهم وكذبهم، فهل هذه الدراهم أخذت منهم حقاً، وهي دراهم حقيقية تأخذ من جيوب من أعطاهم، أم أنه سحر للعيون؟! فهذه الدراهم وزعوها عليهم، ووضعوها في جيوبهم، فلما ذهبوا إلى بيوتهم وخرجوا من عندهم؛ لم يجدوا فيها أي شيء، وهذا واقع الآن كثيراً.
  31. حكم الحيل التي تكون بالتلبيس

    وأما الحيل التي هي من حيل الفجار فهذه تدخل في باب الكذب، أو في باب التلبيس إذا كان يلبس على الناس، ويستغل عقولهم بحركات خفية يظهرها فيعزر ويعاقب؛ حتى لا يضل الناس بمثل هذه الأمور؛ وإن لم يدع أن لديه شيطاناً، وإن لم يكن لديه شيطان.
  32. الخوارق الرحمانية وكيفية التعامل معها

    إذاً تصبح الأحوال الخارقة التي ترى أنها خارقة للعادة ثلاثة أحوال: إما حال من الرحمن، وهذه هي الكرامة، وهذه لا تدل على أن صاحبها له فضل أو مقام أعلى ممن لم يأت على يديه مثل هذه، ولكنها نعم من كرامات الله تعالى، وتدل على أنه له خير عند الله، ولا ينبغي أن يغتر بها، ولا أن يستدرك بها، ولا أن ينقطع بها، فيكون ذلك سبباً لضلاله والعياذ بالله، وإنما يحمد الله عليها، ويستغفر الله. وقد كان بعض السلف يقول: إني أخشى أن يكون هذا علامة على ضعف إيماني؛ لأنه لو كان لدي من اليقين القوي ما حصل لي مثل هذا، حتى قال بعضهم: لو أن رجلاً من الأولياء دخل في بستان فيه ألف شجرة، وعلى كل شجرة ألف طائر يناديه: يا ولي الله فلان! فلا يجوز له أن يغتر بذلك.
  33. الخوارق الشيطانية

    والحالة الثانية: حالة أولياء الشيطان، وهم الذين تأتيهم الجن، وتتزيا بصورهم أو بصور غيرهم، فتضلهم وتخاطبهم وتكلمهم، وتخبرهم عن الغائبات، وتحضر لهم بعض المفقودات إلى غير ذلك، فهؤلاء هم الذين تستمتع بهم الشياطين بما يقدمونه لها من شركيات وضلالات في رقى، أو عزائم، أو كتابات أو ما أشبه ذلك.
  34. الحيل الخفية وحكمها

    والحالة الثالثة: الحيل العادية التي لا خرق فيها للعادة، ولكنها خفية لا يدركها كل أحد، وإنما قد تلتبس على العوام، أما من أتقنها من أهل الحيل فهؤلاء لديهم مواهب معينة تجعلهم يجيدون هذه الحيل، فنجد أن بعض الناس قد يقفز أكثر من غيره، وقد يخطف شيئاً من جيب أحد الناس فمثلاً نجد بعض النشالين عندهم خفة عجيبة جداً، فيأخذ من جيبك وأنت لا تشعر، أو يعمل عملاً فيه في الظاهر خرق للعادة، وهو في الحقيقة يمكن أن يتعوده أي إنسان ويتقنه ويصبح مثله. فهؤلاء من جنس أصحاب الفجور ما داموا يظهرون هذا على أنه احتيال، وخرق للعادة أمام الناس، فاحتيالهم هذا يدخل في جنس الكذب، فيعاقبون على أنهم أهل فجور وإن لم يكونوا بالضرورة من أهل البدع الاعتقادية، فكل منهم قد تكون غاياتهم أحياناً واحدة وهي: إغواء الناس؛ ليتعلقوا بهم، وليعظموهم، وليعتقدوا فيهم ما ليس فيهم، وقد تختلف غاياتهم. فبهذه الأحوال الثلاثة يعرف الإنسان الميزان والفارق الذي يميز به بين الحق والباطل في مثل هذه الأمور.
  35. كرامة الاستقامة

    ثم مما ينبغي على الإنسان أن يعلمه: أن الاستقامة على أمر الله هي أعظم كرامة، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل حين قاله له: ( قل آمنت بالله ثم استقم )، وكما قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * (( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ))[فصلت:30-31]، فالأولياء الحقيقيون هم المستقيمون على الإيمان، الذين ثبتهم الله فلم ينحرفوا، ولم يزيغوا عنه، وهؤلاء هم الذين يدعونه، ويتضرعون إليه، فيستجيب لهم إن شاء في الدنيا، أو يؤخرها لهم إلى الآخرة، وهؤلاء هم عباد الله، وحال أكثر عباد الله على هذا، فلا يستعجل الإنسان أنه إذا أطاع واستقام على أمر الله أنه لا بد أن يحصل له أمور من هذه الخوارق.
  36. الرد على من يطلب الخوارق في غير موضعها من الدعاة

    وما نشاهده الآن -وهذا مع الأسف قد يلبس على كثير من العامة- أن بعض من يخرجون للدعوة إلى الله ومعهم بعض الناس؛ أول ما يخرجون يبدءون يحدثون من خرج معهم بمثل هذه الأمور، وأن هذه كرامة، وأن هذا خارق، وكثير منها أمور عادية، أو كثير منها لا يستحق أن يذكر، لكنهم يضخمونها عنده، فتكبر فيصبح هذا ديدنه، وكلما أراد أن يعظ أو يذكر يأتي بمثل هذه الحوادث، ويستشهد بذلك أنه لم يكن يريد أن يدعو إلى الله، أو يخرج في سبيل الله؛ لكن حصل كذا وكذا فهذا يدل ذلك على أنه على الحق، وأنه خرج لوجه الله، وأن عمله خالص، وأنه مقبول عند الله، وهذا كله غير مضمون، وقد يكون شيء من ذلك فنحن لا ننفي؛ لكن كوننا نجعله هو المعيار، ونجعله قاعدة تتبع؛ فهذا يدخل في تلبيس إبليس والعياذ بالله، وهذا يذكرنا بما أمر الله تعالى: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ))[فاطر:6].
    فهذا عدو، والعدو يتفنن في خداعك وفي تضليلك، فلا تأمنه أبد الدهر، وإنما عليك أن تستعيذ بالله من شره، ومن شر نفسك، فإن حصل لك شيء من هذا فاحمد الله عليه، واكتمه، وقد كان السلف يكتمون ما يقع لهم من الكرامات، وإن شاء الله في موضع الكرامات نبين هذا، ونأتي بأسمائهم ووقائعهم، وقد كان بعضهم يحرج ويقسم على من يرى هذه الكرامة ألا يحدث بها أحداً، وبعضهم يقول: لا تحدث بها أحداً ما دمت حياً، فهذا دليل على تكتمهم؛ كي لا يفتنوا، ولا يفتن بهم أحد، نسأل الله أن يعصمنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
    والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.